الأهلى والإسماعيلى.. والدماء فى غزة
أنا لا أهزل ولا أخلط بين أوراق وملفات ولا أمتلك من الجهل أو عدم الوعى والفهم ما يكفينى لتسطيح كل القضايا والأمور.. ولكننى مقتنع بالفعل بضرورة أن نتوقف كثيراً وطويلاً أمام ما جرى فى اليومين الماضيين عبر منتديات الإنترنت ومن خلال مواقعها ومجموعاتها وكتاباتها..
حيث اتفقت ـ ولأول مرة ـ جماهير الأهلى والإسماعيلى على أن مباراة الناديين معاً غداً ليست أهم مما يجرى الآن فى غزة.. ولم أر فى كل هذه الرسائل المتبادلة والمشتركة وفى هذا الوفاق السياسى بين معسكرين لم يجمع بينهما رياضياً وإعلامياً طيلة الأعوام الماضية غير الشكوك والجروح والظنون والكراهية إلا دليلاً جديداً.. له معناه وضرورته ووجاهته..
على مكانة فلسطين وقضيتها فى قلب مصر ووعيها وخاطرها وشوارعها وبيوتها وملاعبها.. فحساب الدم المصرى من أجل فلسطين وما صاحب هذا الدم من مال ومواجع وتضحيات.. يبقى دليلاً يمكن فى أى وقت استحضاره من كتب التاريخ وشواهد أيامه وحساباته.. وقوافل الذاهبين من مصر إلى هناك بالطعام والمدد أو القادمين من هناك إلى مصر بحثاً عن العلاج أو الحياة والأمل.. تبقى دليل براءة والتزام لحكومة وسياسة مصرية قد تكون لها أخطاؤها ولكن بالتأكيد لها التزاماتها وواجباتها وشرفها السياسى والتاريخى..
وإذا كانت المظاهرات الغاضبة.. والرائعة.. فى كل نواحى مصر.. للتضامن مع غزة تعبيراً شعبياً لا يسمح بالتشكيك.. فإن الوفاق المؤقت.. والجميل.. بين جماهير الأهلى والإسماعيلى يتحول إلى صورة لها قيمتها ومعناها.. ويصبح دليلاً سياسياً وإعلامياً وواقعياً وحقيقياً على أن التضامن المصرى مع غزة وأطفالها وشهدائها.. ليس قراراً سياسياً ولا مظاهرة إعلامية.. وإنما هو اختيار وقرار شوارع وبيوت..
هذا الوفاق يعنى أيضاً أن جمهور الكرة فى مصر.. ليسوا هم أولئك الذين يجرى تصويرهم طوال الوقت باعتبارهم السذج الذين سرقت منهم كرة القدم وعيهم وعقولهم والقضايا الأساسية لحياتهم.. وليسوا هم الذين اختصروا الوطن وما فيه إلى مجرد ملعب كرة.. ولهذا أتخيل أن مسؤولى الناديين ولاعبيهما.
. لن يكونوا أقل وعياً أو رغبة فى الوفاق والتضامن مع غزة من جماهير الناديين.. وإذا كان حتى متطرفو الحب والانتماء سواء للأهلى أو الإسماعيلى قد تغاضوا مؤقتاً عن أى حسابات قديمة أو حساسيات شائكة.. فأنا أطالب كل الآخرين بأن يقتدوا بذلك.. وليس إسرافاً منى فى التفاؤل أن أحلم بمشهد نزول جماعى للاعبى الفريقين معاً إلى الملعب بلافتات التضامن مع غزة.. وأن يقف أطباء مستشفى الإسماعيلية أمام البوابات يجمعون تبرعات الدم لضحايا غزة ليس فى حراسة الأمن وإنما فى حراسة جمهور الناديين.. وأن يقود نجوم الفريقين حملة التبرع المالى لصالح أطفال غزة..
أحلم أيضاً بأن يجتمع السادة رئيس وأعضاء اتحاد كرة القدم ويتأملوا من جديد هذا المشهد وأن يراجعوا حساباتهم وإذا كان من الضرورى أداء مباراة ودية فى الدوحة مع منتخب قطر.. فلا أقل من أن يكون اتفاقاً يحترم مصر ومكانتها ومنتخبها الكروى ببطولاته وانتصاراته ونجومه الكبار..
فقد أصبحت أخشى أن تتحول هذه المباراة الودية التى ليست لها أى مناسبة أو ضرورة إلى فصل جديد متعمد ومقصود من جانب البعض هناك لإذلال الجمهور المصرى والنجوم المصريين مقابل بضعة مكاسب خاصة لبعض المسؤولين فى الاتحاد.. ووسط هذا الطوفان الإعلامى العربى الغاضب ـ دون حق ودون وعى ـ على مصر والمحاول الانتقاص من قدر مصر..
أرجو ألا ينضم إليه الاتحاد المصرى لكرة القدم ليشهد تاريخ الكرة المصرية فضيحة جديدة مثلما جرى فى دبى حيث كانت علب الأموال والساعات هى البطل الحقيقى فى الصورة وليس لاعبو مصر وأبطال أفريقيا.
(٢)
أبوتريكة.. ليس شيطاناً ولا ملاكاً
من جديد.. قدمت الصحافة الرياضية المصرية دليلاً إضافياً على أنها ـ فى معظمها وباستثناءات قليلة جداً ـ صحافة لا تزال تقودها العاطفة وليس العقل.. صحافة الحب والكراهية وليست صحافة العقل والفكر.. فقبل انفجار أزمة أبوتريكة.. كانت هذه الصحافة قد وقعت فى غرام أبوتريكة ومارست معه الحب كثيراً وطويلاً..
وبالتالى لم تترك ميزة واحدة إلا وربطت بينها وبين نجم الأهلى الكبير.. فأصبح أبوتريكة هو القديس الذى كاد يترك مكانه وسط البشر ليقترب كثيراً وجداً من صفوف الملائكة الذين لا يخطئون.. وحين أخطأ أبوتريكة.. قررت الصحافة فى لحظة أن تمارس الكراهية حتى آخرها مع لاعب كانت قبل لحظات تمارس معه الحب دون حدود أو تحفظات..
وهكذا فى لحظة واحدة أصبح أبوتريكة هو الممثل والمنافق والمدعى.. وتحول نفس الشخص من تاجر للفرحة وللسعادة إلى رجل يتاجر بآلام أطفال السرطان.. ولم يعد هناك عيب واحد أو خطيئة واحدة إلا وتم إلصاقها عمداً بأبوتريكة.. وكان هذا التحول فاضحاً لكثيرين منا وكاشفاً لحقيقة بسيطة بقينا كثيراً وطويلاً نهرب منها.. وهى أننا فى معظمنا متطرفون فى مشاعرنا وفى كتاباتنا وفى أحكامنا أيضاً..
وأنا أدعو الجميع الآن لأن يعتزلوا مثل هذا التطرف وأن يمارسوا واقعية الفكر والتقييم والكتابة.. وبالتالى يعود أبوتريكة إلى الأرض إنسانا يصيب ويخطئ.. له ميزاته وعيوبه.. وحتى يحدث ذلك.. وهو سيحدث بالتأكيد مهما حاول البعض تعطيل ذلك..
فلابد من التوقف أمام هؤلاء الذين فاتهم.. فى غمرة صب غضبهم ولعناتهم على أبوتريكة.. أنهم قاموا بتشويه أهم أدوار أبوتريكة على الإطلاق خارج ملاعب الكرة.. وأقصد بذلك الواجب الاجتماعى الذى لابد أن يلتزم به كل لاعب كرة..
وإذا كنت لا أعرف كيف وأين وبأى شكل سيحتفظ تاريخ الكرة المصرية باسم أبوتريكة فى كتاب النجوم وما قدموه للكرة من باب الموهبة والإنجازات وإسعاد الملايين.. فإننى أثق بأن أبوتريكة سيدخل هذا التاريخ باعتباره أول نجم كروى يلتزم بالفعل بكل واجباته الاجتماعية سواء مع أطفال السرطان أوغيرهم.. وكنت ولا أزال أتمنى أن يصبح هذا الدور الاجتماعى لأبوتريكة قدوة للآخرين..
وأن يواصل الإعلام الرياضى المصرى ضغوطه من أجل ألا يبقى أبوتريكة مجرد استثناء هو وقليلون غيره.. وإنما يصبح ذلك هو القاعدة التى يلتزم بها ويحرص عليها كل النجوم.. من أجل أن تنجح كرة القدم المصرية فى كل حروبها ضد الفقر والألم والتخلف.. كنت ولا أزال أتمنى أيضا أن يراجع بعض زملائى أنفسهم خاصة أولئك الذين عايروا أبوتريكة بفقر أيامه الأولى وبيئته المتواضعة.. فأنا أرى فى هذا الفقر والتواضع وساما على صدر أبوتريكة ينبغى أن نشكره عليه لا أن نعايره به..
ومتى سيتوقف بعضهم عن هذا الأسلوب الفج فى معايرة نجوم الكرة.. أو الفن أو أى مجال آخر.. بفقر أيامهم وسنواتهم الأولى.. وما العيب فى فقر يتحول.. مع الموهبة والاجتهاد والإصرار والحلم والعطاء.. إلى ثراء وشهرة وحب الناس واحترامهم.
(٣)
الزمالك.. ضحية كل هؤلاء
المستشار جلال إبراهيم.. والمندوه الحسينى.. وعمر هريدى.. وإسماعيل سليم.. ويحيى مصطفى كمال حلمى.. جميعهم أبناء كبار لنادى الزمالك لا يمكن التشكيك فى انتمائهم وارتباطهم بالنادى الكبير والعريق.. وكلهم أيضا رفضوا أى استثناءات قانونية أو سيادية من أجل إجراء انتخابات نادى الزمالك فى أقرب وقت ممكن.. وفى حقيقة الأمر لا أعرف تفسيرا حقيقيا وواضحا ومقنعا لرفض هؤلاء إجراء الانتخابات..
هل لأنهم ليسوا مستعدين لهذه الانتخابات الآن وبالتالى هم مع تأجيلها ـ حتى ولو على حساب الزمالك نفسه وأعضائه وجماهيره ـ حتى تكتمل جهودهم وتربيطاتهم.. أم لأنهم لا يرون أن الانتخابات هى الحل لأزمة الزمالك المستعصية والشائكة.. ولو كان الاحتمال الأول صحيحا.. فأنا أعلن حزنى لأن الزمالك حتى الآن لا يجد رجالا على استعداد للتضحية بأى مصالح أو حسابات شخصية من أجل أن يبقى الزمالك ومن أجل أن يعود قويا منتصرا..
ولو كان الاحتمال الثانى هو الصحيح.. فأنا أيضا أعلن حزنى لأن أبناء الزمالك الكبار لا يزالون مقتنعين بأنه لا قيمة لأصوات الناس واختياراتهم وأنهم يرون مصلحة ناديهم لا تكمن إلا فى قرارات فوقية، تأتى من المجلس القومى للرياضة وباختيارات تتحكم فيها المجاملة والعلاقات الشخصية وحسابات الود والاستظراف وليس مشاعر الملايين من عشاق الزمالك ودماء قلوبهم التى سالت فى كل ملعب كرة..
نعيش أول يوم فى عام جديد ولا يزال هناك فى الزمالك من يخشون الانتخابات ومن يرعبهم صندوق الانتخاب والاحتكام للناس وإرادتهم وأصواتهم واختياراتهم.. ومع هؤلاء أصبحت أخشى أن يأتينا يوم نقول فيه كان لدينا يوما ناد اسمه الزمالك
(٤)
حسام حسن.. وداع لا يليق بالتاريخ
أؤمن بما ينادى به أحمد شوبير والدكتور علاء صادق ومدحت شلبى بضرورة اتخاذ موقف حاسم مع إبراهيم حسن بعد خروجه على قواعد الأدب والأخلاق فى الجزائر والصورة المؤسفة والسلوك المشين لإبراهيم الذى تم تداوله عبر مختلف الشاشات ومنتديات الإنترنت.. وبنفس القدر أؤمن برغبة وإصرار وحق خالد الغندور بالدفاع عن إبراهيم حسن والتماس العذر له بعد كل هذا التوتر الذى عاشه المصرى أثناء المباراة هناك..
فهذه هى ميزة أن تتعدد النوافذ الإعلامية وأن يمتلك كل إنسان حق وفرصة الدفاع عن نفسه وشرح قضيته وظروفه.. ولكننى ضد ممارسة مثل هذه الحرية والحقوق الإعلامية التى أصبحت متاحة للجميع على حساب العقل والمنطق والتاريخ وحقائق الأشياء وأصلها.. وبالتالى فأنا أرفض أن يخرج علينا إبراهيم حسن ليزعم أنه الرجل الوحيد فى مصر الذى يغار على وطنه وعلى مصريته وأنه لن يبيع مصر من أجل أن يرضى الجزائريين..
وأرفض أن يزج إبراهيم حسن فجأة بحكاية الطبيب المصرى والنجم الجزائرى القديم الأخضر بللومى لأن إبراهيم حسن قرر فجأة أن يثأر للطبيب المصرى..
ويبدو أن إبراهيم لم يدرك أنه قد تمت تبرئة الأخضر بللومى من هذه الجريمة التى لم يرتكبها وأنه ما هكذا تعود الحقوق الغائبة.. وكنت أتخيل أن إبراهيم حسن كان من الممكن أن يحسم كثيرا من جوانب تلك الأزمة لو سارع هو وتطوع بتقديم اعتذار حقيقى وأسف وندم على ما جرى فى الجزائر.. لكن يبدو أن فضيلة الاعتذار عن الخطأ باتت شديدة الوطأة على البعض منا وإلى درجة تخيل أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه سيعد ضعفا أو عيبا أو انتقاصاً من القدر والكرامة..