وقال عنه ابن الأثير:
هو أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، ولما أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه بالمدينة بعدما ذهبت بدر وأحد والخندق وصحبه إلى أن مات، وكان يعبد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين...
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
كان للنبي صلى الله عليه وسلم أثرًا كبيرًا وواضحًا في حياة أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، نظرًا لقدم إسلامه، وطول المدة التي قضاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعن حاطب قال قال أبو ذَرّ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما صبه جبريل وميكائيل عليهما السلام في صدره إلا قد صبه في صدري...
وعن أبي ذَرّ قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: "انظر أرفع رجل في المسجد في عينيك" فنظرت فإذا رجل في حلة جالس يحدث قوما فقلت: هذا قال: "انظر أوضع رجل في المسجد في عينيك" قال: فنظرت فإذا رويجل مسكين في ثوب له خلق قلت: هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "هذا خير عند الله يوم القيامة من قرار الأرض مثل هذا"
وعن أبي هريرة قال: قال أبو ذَرّ: يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور بالأخر يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموال يتصدقون بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذَرّ ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك قال بلى يا رسول الله قال تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين وتسبحه ثلاثا وثلاثين وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
عن أبى ذَرّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذَرّ كيف تفعل إذا جاع الناس حتى لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك" فقلت: الله ورسوله أعلم قال: "تعفف" ثم قال: "كيف تصنع إذا مات الناس حتى يكون البيت بالوصيف" قلت: الله ورسوله أعلم قال: "تصبر" ثم قال: "كيف تصنع إذا اقتتل الناس حتى يغرق حجر الزيت" قلت: الله ورسوله أعلم قال: "تأتي من أنت فيه" فقلت: أرأيت إن أتى علي قال: "تدخل بيتك" قلت: أرأيت إن أتى علي قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق طائفة ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه" فقلت: أفلا أحمل السلاح؟ قال: "إذا تشركه"
أهم ملامح شخصيته
الزهد الشديد والتواضع:
كان رضي الله عنه من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول الحق سئل علي رضي الله عنه عن أبي ذَرّ فقال ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئا منه... وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أبو ذَرّ في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده ". وبعضهم يرويه: "من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذَرّ"
ومرّ فتى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: نعم الفتى، فتبعه أبو ذَرّ فقال: يا فتى استغفر لي، فقال: يا أبا ذَرّ أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: استغفر لي، قال: لا أو تخبرني، فقال: إنك مررت على عمر رضي الله عنه فقال: نعم الفتى، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"
وقيل لأبي ذرٍّ ألا تتخذ أرضا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال: وما أصنع بأن أكون أميرا وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن وفي الجمعة قفيز من قمح.
وعن أبي ذَرّ قال: "كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من التمر فلست بزائد عليه حتى ألقى الله تعالى".
صدق اللهجة:
قال أبو ذَرّ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقلّ الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفي من أبي ذَرّ، شبيه عيسى بن مريم" قال: فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا نبي الله أفنعرف ذلك له قال: "نعم فاعرفوا له".
الحرص على الجهاد رغم الصعوبات:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذَرّ وأبطأ به بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه فتلوم أبو ذَرّ رضي الله عنه على بعيره فأبطأ عليه فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذَرّ فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذَرّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذَرّ يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده...